فصل: قال الشنقيطي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

{وإنا لنحن نحيي ونميت} يعني بيدنا إحياء الخلق وإماتتهم لا يقدر على ذلك أحد إلا الله سبحانه وتعالى، لأن قوله تعالى: {وإنا لنحن} يفيد الحصر يعني لا يقدر على ذلك سوانا {ونحن الوارثون} وذلك بأن نميت جميع الخلق، فلا يبقى أحد سوانا فيزول ملك كل مالك ويبقى جميع ملك المالكين لنا والوارث هو الباقي بعد ذهاب غيره والله سبحانه وتعالى هو الباقي بعد ذهاب غيره والله سبحانه وتعالى هو الباقي بعد فناء خلقه الذين أمتعهم بما آتاهم في الحياة الدنيا لأن وجود الخلق.
وما آتاهم كان ابتداؤه منه تعالى فإذا فني جميع الخلائق رجع الذي كانوا يملكونه في الدنيا على المجاز إلى مالكه على الحقيقة، وهو الله تعالى. وقيل مصير الخلق إليه.
قوله: {ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين} عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس فكان بعض الناس يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها.
ويتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر، فإذا ركع نظر من تحت أبطيه فأنزل الله ولقد علمنا المستقدمين منكم، ولقد علمنا المستأخرين أخرجه النسائي وأخرجه الترمذي وقال فيه وقد روي عن ابن الجوزي نحوه.
ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح قال البغوي وذلك أن النساء كن يخرجن إلى الجماعة فيقفن خلف الرجال فربما كان من الرجال من في قلبه ريبة فيتأخر إلى آخر صف الرجال، ومن النساء من في قلبها ريبه فتتقدم إلى أول صف النساء لتقرب من الرجال فنزلت هذه الآية فعند ذلك قال النبي صلى الله عليه سلم: «خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها» أخرجه مسلم عن أبي هريرة.
وقال ابن عباس: أراد بالمستقدمين من خلق الله وبالمستأخرين من لم يخلق الله تعالى بعد.
وقال مجاهد: المستقدمون القرون الأولى والمستأخرون أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسن: المستقدمون يعني في الطاعة والخير والمستأخرون يعني فيهما.
وقال الأوزاعي: أراد بالمستقدمين المصلين في أول الوقت وبالمستأخرين المؤخرين لها إلى آخره.
وقال مقاتل: أراد بالمستقدمين وبالمستأخرين في صف القتال.
وقال ابن عيينة: أراد من يسلم أولًا ومن يسلم آخرًا.
وقال ابن عباس في رواية أخرى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرض على الصف الأول فازدحموا عليه، وقال قوم كانت بيوتهم قاصة عن المسجد: لنبيعن دورنا ونشتري دورًا قريبة من المسجد حتى ندرك الصف المقدم.
فنزلت هذه الآية، ومعناها إنما تجزون على النيات فاطمأنوا وسكنوا فيكون معنى الآية على القول الأول المستقدم للتقوى والمستأخر للنظر، وعلى القول الأخير المستقدم لطلب الفضيلة والمستأخر للعذر، ومعنى الآية أن علمه سبحانه وتعالى محيط بجميع خلقه مقدمهم ومتأخرهم طائعهم وعاصيهم، لا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه {وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم} يعني على ما علم منهم، وقيل: إن الله سبحانه وتعالى يميت الكل ثم يحشرهم الأولين والآخرين على ما ماتوا عليه {م} عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يبعث كل عبد على ما مات عليه». اهـ.

.قال أبو حيان:

{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيىِ}
نحيي: نخرجه من العدم الصرف إلى الحياة.
ونميت: نزيل حياته.
ونحن الوارثون الباقون بعد فناء الخلق.
والمستقدمين قال ابن عباس والضحاك: الأموات، والمستأخرين الأحياء.
وقال قتادة وعكرمة وغيرهما: المستقدمين في الخلق والمستأخرين الذين لم يخلقوا بعد.
وقال مجاهد: المستقدمين من الأمم والمستأخرين أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال الحسن وقتادة أيضًا: في الطاعة والخير، والمستأخرين بالمعصية والشر.
وقال ابن جبير: في صفوف الحرب، والمستأخرين فيها.
وقيل: من قتل في الجهاد، والمستأخرين من لم يقتل.
وقيل: في صفوف الصلاة، والمستأخرين بسبب النساء لينظروا إليهن.
وقال قتادة أيضًا: السابقين إلى الإسلام والمتقاعسين عنه.
والأولى حمل هذه الأقوال على التمثيل لا على الحصر، والمعنى: أنه تعالى محيط علمه بمن تقدم وبمن تأخر وبأحوالهم، ثم أعلم تعالى أنه يحشرهم.
وقرأ الأعمش: يحشرهم بكسر الشين.
وقال ابن عباس ومروان بن الحكم، وأبو الحوراء: كانت تصلي وراء الرسول امرأة جميلة، فبعض يتقدم لئلا تفتنه وبعض يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة، فنزلت الآية فيهم.
وفصل هذه الآية بهاتين الصفتين من الحكمة والعلم في غاية المناسبة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيىِ}
بإيجاد الحياةِ في بعض الأجسام القابلةِ لها {وَنُمِيتُ} بإزالتها عنها، وقد يُعمِّم الإحياءُ والإماتة لما يشمل الحيوانَ والنباتَ، وتقديمُ الضميرِ للحصر، وهو إما تأكيدٌ للأول أو مبتدأٌ خبرُه الفعلُ، والجملةُ خبرٌ لإنا، ولا يجوز كونُه ضميرَ الفصل لا لأن اللام مانعةٌ من ذلك كما قيل، فإن النحاة جوزوا دخولَ لام التأكيدِ على ضمير الفصل كما في قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق} بل لأنه لم يقع بين اسمين {وَنَحْنُ الوارثون} أي الباقون بعد فناءِ الخلقِ قاطبةً، المالكون للملك عند انقضاءِ زمان المُلك المجازيِّ، الحاكمون الكلَّ أولًا وآخرًا، وليس لهم إلا التصرفُ الصُّوريُّ والملكُ المجازي، وفيه تنبيهٌ على أن المتأخّرَ ليس بوارث للمتقدم كما يتراءى من ظاهر الحال.
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ} مَنْ تقدّم منكم ولادةً وموتًا {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستخرين} من تأخر ولادةً وموتًا أو من خرج من أصلاب الآباءِ ومن لم يخرُجْ بعدُ، أو مَنْ تقدم في الإسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة ومن تأخر في ذلك، لا يخفى علينا شيء من أحوالكم، وهو بيانٌ لكمال علمِه بعد الاحتجاج على كمال قدرتِه، فإن ما يدل عليها دليلٌ عليه، وفي تكرير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا} ما لا يخفى من الدلالة على كمال التأكيدِ، وقيل: رغّب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف الأول فازدحموا عليه فنزلت، وقيل: إن امرأةً حسناءَ كانت تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقدم بعضُ الناس لئلا يراها وتأخر آخرون ليرَوْها فنزلت، والأول هو المناسب لما سبق وما لحق من قوله تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} أي للجزاء، وتوسيطُ ضميرِ العظمةِ للدلالة على أنه هو القادرُ على حشرهم والمتولِّي له لا غيرُ، لأنهم كانوا يستبعدون ذلك ويستنكرونه ويقولون: مَنْ يحيي العظامَ وهي رميم، أي هو يحشرهم لا غير، وفي الالتفات والتعرض لعنوان الربوبيةِ إشعارٌ بعلة الحكم، وفي الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام دَلالةٌ على اللطف به عليه الصلاة والسلام {إِنَّهُ حَكِيمٌ} بالغُ الحكمة متقِنٌ في أفعاله، فإنها عبارةٌ عن العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه، والإتيانِ بالأفعال على ما ينبغي {عَلِيمٌ} وسِع علمُه كل شيء، ولعل تقديمَ صفةِ الحكمة للإيذان باقتضائها للحشر والجزاء. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيىِ}
بإيجاد الحياة في بعض الأجسام القابلة لها {وَنُمِيتُ} بإزالتها عنها فالحياة صفة وجودية وهي كما قيل صفة تقتضي الحس والحركة الإرادية والموت زوال تلك الصفة، وقال بعضهم: إنه صفة وجودية تضاد الحياة لظاهر قوله تعالى: {الذى خَلَقَ الموت} [الملك: 2]، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك، وقد يعمم الأحياء والإماتة بحيث يشمل الحيوان والنبات مثل أن يقال: المراد إعطاء قوة النماء وسلبها، وتقديم الضمير للحصر، وهو إما توكيد للأول ومبتدأ خبره الجملة بعده والمجموع خبر لأنا، وجوز كونه ضمير فصل ورده أبو البقاء بوجهين:
أحدهما: أنه لا يدخل على الخبر الفعلي والثاني: أن اللام لا تدخل عليه، وتعقب ذلك في الدر المصون بأن الثاني غلط فإنه ورد دخول اللام عليه في قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق} [آل عمران: 62]، ودخوله على المضارع مما ذهب إليه الجرجاني وبعض النحاة، وجعلوا من ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِىء وَيُعِيدُ} [البروج: 13]، ولعل ذلك المجوز ممن يرى هذا الرأي والعجب من أبي البقاء فإنه رد ذلك هنا وجوزه في قوله تعالى: {وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} [فاطر: 10]. كما نقله في المغني.
{وَنَحْنُ الوارثون} أي الباقون بعد فناء الخلق قاطبة لمالكون للملك عند انقضاء زمان الملك المجازي، الحاكمون في الكل أولًا وآخرًا وليس لأحد إلا التصرف الصوري والملك المجازي وفي هذا تنبيه على أن المتأخر ليس بوارث للمتقدم كما يتراءى من ظاهر الحال، وتفسير الوارث بالباقي مروي عن سفيان وغيره، وفسر بذلك في قوله عليه الصلاة والسلام: «اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا» وهو من باب الاستعارة.
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ} من مات {وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستخرين} من هو حي لم يمت بعد أخرجه ابن أبي حاتم وغيره عن ابن عباس، وفي رواية أخرى عنه المستقدمين آدم عليه السلام ومن مضى من ذريته والمستأخرين من في أصلاب الرجال، وروى مثله عن قتادة، وعن مجاهد المستقدمين من مضي من الأمم و{المستخرين} أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل: من تقدم ولادة وموتًا ومن تأخر كذلك مطلقًا وهو من المناسبة بمكان وروى عن الحسن أنه قال: من سبق إلى الطاعة ومن تأخر فيها، وروى عن معتمر أنه قال: بلغنا أن الآية في القتال فحدثت أبي فقال لقد نزلت قبل أن يفرض القتال، فعلى هذا أخذ الجهاد في عموم الطاعة ليس بشيء، على أه ليس في تفسير ذلك بالمستقدمين والمستأخرين فيها كمال مناسبة، والمراد من علمه تعالى بهؤلاء علمه سبحانه بأحوالهم، والآية لبيان كمال علمه جل وعلا بعد الاحتجاج على كمال قدرته تعالى فإن ما يدل عليها دليل عليه ضرورة أن القادرة على كل شيء لابد من علمه بما يصنعه وفي تكرير قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا} ما لا يخفى من الدلالة على التأكيد.
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه.
وجماعة من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس قال: كانت امرأة تصلى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله تعالى الآية، وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن أبي الجوزاء أنه قال في الآية ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة ولم يذكر من حديث المرأة شيئًا، قال الترمذي: هذا أشبه أن يكون أصح، وقال الربيع بن أنس: حرض النبي صلى الله عليه وسلم على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا: نبيع دورنا ونشتري دورًا قريبة من المسجد فأنزل الله تعالى الآية، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومن هنا قال بعضهم: الأولى الحمل على العموم أي علمنا من اتصف بالتقدم والتأخر في الولادة والموت والإسلام وصفوف الصلاة وغير ذلك.
{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ}
للجزاء، وتوسيط الضمير قيل للحصر أي هو سبحانه يحشرهم لا غير، وقيل عليه: إنه في مثل ذلك يكون الفعل مسلم الثبوت والنزاع في الفاعل وههنا ليس كذلك فالوجه جعله لإفادة التقوى.
وتعقب بأن هذا في القصر الحقيقي غير مسلم وتصدير الجملة بإن لتحقيق الوعد والتنبيه على ما سبق يدل على صحة الحكم، وفي الالتفات والتعرض لعنوان الربوبية إشعار بعلته، وفي الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم دلالة على اللطف به عليه الصلاة والسلام.
وقرأ الأعمش {يَحْشُرُهُمْ} بكسر الشين {إِنَّهُ حَكِيمٌ} بالغ الحكمة متقن في أفعاله.
والحكمة عندهم عبارة عن العلم بالأشياء على ما هي عليه والإتيان بالأفعال على ما ينبغي {عَلِيمٌ} وسع علمه كل شيء، ولعل تقديم وصف الحكمة للإيذان باقتضائها للحشر والجزاء، وقد نص بعضهم على أن الجملة مستأنفة للتعليل. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ}.
بين في هذه الآية الكريمة أنه هو الذي يحي ويميت وأوضح ذلك في آيات كثيرة كقوله: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا المصير} [ق: 43]، وقوله تعالى: {رَبِّيَ الذي يُحْيِي وَيُمِيت} [البقرة: 258]، وقوله: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الأولين} [الدخان: 8]، وبين في ومواضع أخر أنه أحياهم مرتين وأماتهم مرتين كقوله: {قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثنتين وَأَحْيَيْتَنَا اثنتين} [غافر: 11]. الآية وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} [البقرة: 28]، والإماتة الأولى هي كونهم نطفًا وعلقًا ومضغًا والإماتة الثانية هي موتهم عند انقضاء آجالهم في الدنيا والاحياءة الأولى نفخ الروح فيهم وإخراجهم أحياء من بطون أمهاتهم والإحياءة الثانية بعثهم من قبورهم أحياء يوم القيامة وسياتي له إن شاء الله تعالى زيادة إيضاح.
قوله تعالى: {وَنَحْنُ الوارثون}. بين تعالى في هذه الآية الكريمة أنه الوارث ولم يبين الشيئ الذي يرثه وبين في مواضع أخر أنه يرث الأرض ومن عليها كقوله: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرض وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} [مريم: 40]، وقوله: {وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا} [مريم: 80]، ومعنى ما يقول أي نرثه الذي يقول إنه يؤتاه يوم القيامة من المال والولد كما ذكره الله عنه في قوله: {أَفَرَأَيْتَ الذي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا} [مريم: 77]، ومعنى كونه يرث الأرض من عليها أنه يبقى بعد فناء خلقه متصفًا بصفات الكمال والجلال يفعل ما يشاء كيف يشاء. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (23)}
لما جرى ذكر إنزال المطر وكان مما يسبق إلى الأذهان عند ذكر المطر إحياءُ الأرض به ناسب أن يذكر بعده جنس الإحياء كله لما فيه من غرض الاستدلال على الغافلين عن الوحدانية، ولأن فيه دليلًا على إمكان البعث. والمقصود ذكر الإحياء ولذلك قُدم. وذكر الإماتة للتكميل.
والجملة عطف على جملة {ولقد جعلنا في السماء بروجا} [سورة الحجر: 16]. للدلالة على القدرة وعموم التصرف.
وضمير نَحْن ضمير فصل دخلت عليه لام الابتداء.
وأكد الخبر بـ {إنّ} واللاّم وضمير الفصل لتحقيقه وتنزيلًا للمخاطبين في إشراكهم منزلة المنكرين للإحياء والإماتة.
والمراد بالإحياء تكوين الموجودات التي فيها الحياة وإحياؤهها أيضًا بعد فناء الأجسام.
وقد أدمج في الاستدلال على تفرد الله تعالى بالتصرف إثبات البعث ودفع استبعاد وقوعه واستحالتهِ.
ولما كان المشركون منكرين نوعًا من الإحياء كان توكيد الخبر مستعملًا في معنييه الحقيقي والتنزيلي.
وجملة {ونحن الوارثون} عطف على جملة {وإنا لنحن نحي ونميت}.
ومعنى الإرث هنا البقاء بعد الموجودات تشبيهًا للبقاء بالإرث وهو أخذ ما يتركه الميت من أرض وغيرها.
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (24) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (25)}
لما ذكر الإحياء والإماتة وكان الإحياء بكسر الهمزة يذكر بالأحياء بفتحها، وكانت الإماتة تذكّر بالأموات الماضين تخلص من الاستدلال بالأحياء والإماتة على عظم القدرة إلى الاستدلال بلازم ذلك على عظم علم الله وهو علمه بالأمم البائدة وعلم الأمم الحاضرة؛ فأريد بالمستقدمين الذين تقدموا الأحياء إلى الموت أو إلى الآخرة، فالتقدم فيه بمعنى المضي؛ وبالمستأخرين الذين تأخروا وهم الباقون بعد انقراض غيرهم إلى أجل يأتي.
والسين والتاء في الوصفين للتأكيد مثل استجاب؛ ولكن قولهم استقدم بمعنى تقدم على خلاف القياس لأن فعله رباعي.
وقد تقدم عند قوله تعالى: {لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} في [سورة الأعراف: 34].
وقد تقدم في طالع تفسير هذه السورة الخبر الذي أخرجه الترمذي في جامعه من طريق نوح بن قيس ومن طريق جعفر بن سليمان في سبب نزول هذه الآية.
وهو خبر واهٍ لا يلاقي انتظام هذه الآيات ولا يكون إلا من التفاسير الضعيفة.
وجملة {وإن ربك هو يحشرهم} نتيجة هذه الأدلة من قوله: {وإنا لنحن نحي ونميت} [سورة الحجر:23]. فإن الذي يُحيي الحياة الأولى قادر على الحياة الثانية بالأوْلى، والّذي قدّر الموت ما قدره عبثًا بعد أن أوجد الموجودات إلاّ لتستقبلوا حياة أبدية؛ ولولا ذلك لقدر الدّوام على الحياة الأولى، قال تعالى: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا} [سورة الملك: 2].
وللإشارة إلى هذا المعنى من حكمة الإحياء والإماتة أتبعه بقوله: {إنه حكيم عليم} تعليلًا لجملة {وإن ربك هو يحشرهم} لأن شأن {إنّ} إذا جاءت في غير معنى الرد على المنكر أن تفيد معنى التعليل والربط بما قبلها.
والحكيم الموصوف بالحكمة.
وتقدم عند قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء} [سورة البقرة: 269]، وعند قوله تعالى: {فاعلموا أن الله عزيز حكيم} في سورة البقرة {209}.
والعَليم الموصوف بالعلم العام، أي المحيط.
وتقدم عند قوله تعالى: {وليعلم الله الذين آمنوا} في سورة آل عمران {140}.
وقد أكدت جملة و{إن ربك هو يحشرهم} بحرف التوكيد وبضمير الفصل لرد إنكارهم الشديد للحشر.
وقد أسند الحشر إلى الله بعنوان كونه رب محمد صلى الله عليه وسلم تنويهًا بشأن النبي عليه الصلاة والسلام لأنهم كذبوه في الخبر عن البعث {وقال الذين كفروا هل ندلّكم على رجل ينبّئكم إذا مزّقتم كل ممزّق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذبًا أم به جِنّة} [سورة سبأ: 7 8]. أي فكيف ظنك بجزائه مكذبيك إذا حشرهم. اهـ.